
من اين لهم هذا؟/الولي ولد سيدي هيبه
إعادة نشر بتصرف
لا يستطيع احد، بوثائق التاريخ وشهادات الواقع، ان ينكر ان اهل هذا البلد لم يعرفوا يوما، والى عهد قريب، معنى الغنى. فقد كان تصوف الاجداد وزهدهم وقلة حرفتهم من جهة، وفقر البيئة الطبيعية وقسوتها من جهة اخرى، كفيلين بان يبعدوهم عن مظاهر الثراء، فلم يمتلكوا:
-قصورا،
-ولا اطيانا،
-ولا صنائع مدرة،
-ولا مصانع انتاج،
-ولا بساتين غناء،
-ولا حقولا وحدائق تغذي الاسواق عبر الزمن بما تنتجه من بقل وقثاء وفوم وعدس وبصل وزيتون وفاكهة.
بل ان لغتهم المتداولة لم تكن تحفل اصلا بمفردات الثراء؛ فلا دراهم فيها ولا دنانير ولا ذهب ولا فضة، وانما عوضوا ذلك بتعابير شعبية بسيطة للدلالة على اليسر، فكانوا:
-يسمون المال "الحيوان"، فيقال: فلان له حيوان، اي له مال.
-ويستعملون كلمة "ش" للدلالة على شيء من الرخاء، فيقال: فلان عنده ش، اي انه ميسور الحال.
ومع دخول البلاد عصر المدنية على يد المستعمر الفرنسي، ظهرت بوادر الثروة لكنها بقيت محدودة لا ترقى الى ما نشهده اليوم من تضخم غير طبيعي للثروات، تراكمت خلال عقود قليلة من غير جهد ظاهر ولا سعي مشروع. وهو ما يدعو الى مساءلة "اغنياء الجمهورية الجدد" الذين اصبحوا يمتلكون:
-الاسواق الكبيرة،
-والمصارف الثانوية المتخمة بالعملات،
-وصرافات تحويل العملة الصعبة،
-والعمارات الشاهقة التي ابتلعت او حلت محل مساحات عمومية.
كل ذلك يشي بحجم ما تعرض له المال العام من استنزاف بفعل سوء التسيير، والانفلات في النهب والتحايل، والفساد والتبذير.
والمفارقة ان كثيرا من هذه المصارف والصرافات اختار لنفسه اسماء منقولة من القرآن او مشتقة من صفات جليلة؛ كي يمنح نفسه مهابة مصطنعة تخالف حقيقة النشأة، وقد ولدت اصلا من تمويل عمومي استولى عليه اصحابها بطرق يرفضها الشرع وتستنكرها المروءة. وهي مؤسسات تستودع فيها اموال من المصدر ذاته، يضعها من تولوا مسؤوليات التسيير وهم يظنونها، عن عمد، ارثا من آبائهم.
اما الصرافات الحرة فتجد عملتها الصعبة متدفقة من تسهيلات المصرف المركزي الممنوحة لاصحاب النفوذ. تشكيلة لا يعزف في جوقتها الا اصحاب الحظوة في:
-الوجاهة السيباتية،
-والسياسوية المتحالفة معها،
-والتملق في فضاءات طبقة اهل الحرف من:
-شعراء الغواية،
-واعلاميي الوشاية،
-وفقهاء فتات الموائد، كما سماهم، ذات مرة الداعية الكبير ولد سيدي يحيى.
فهل سيسأل، في قابل الأيام، اصحاب هذه المؤسسات: من اين لهم هذا؟
.jpg)
